((طريق الهدى))
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
((طريق الهدى))
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
((طريق الهدى))
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) ‏
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 - أيهما خلق أولاً : السماوات أم الأرض ؟؟؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 101
تاريخ التسجيل : 18/05/2012

- أيهما خلق أولاً : السماوات أم الأرض ؟؟؟ 	 Empty
مُساهمةموضوع: - أيهما خلق أولاً : السماوات أم الأرض ؟؟؟    - أيهما خلق أولاً : السماوات أم الأرض ؟؟؟ 	 I_icon_minitimeالسبت 26 مايو 2012 - 2:51

شُبُهَـات وردود

أيهما خلق أولاً : السماوات أم الأرض ؟؟؟

ممن الشبهات التي أثيرت قديمًا تحت عنوان ( المتناقضات في القرآن ) ، وما زالت تثار حتى اليوم ، بغرض التشكيك في هذا القرآن العظيم وأنه ليس من عند الله جل وعلا ، شبهة : أيهما خلق أولاً : خلق السماوات والأرض ؟ ونصُّ الشبهة كما ورد على لسانهم :

(( ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾(البقرة: 29) .

هنا نرى أن الله خلق ما في الأرض جميعًا .. وكلمة ( جَمِيعاً ) تعني أن الله خلق الأشجار والبحار والأنهار والجبال وكل ما في الأرض جميعًا ... ثم استوى إلى السماء وسواها ...

ولكنه يقول في ( سورة النازعات ) :

﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾(النازعات: 27-33) .

ومن الآيات هنا نعرف أن الله سوَّى السماء الأول ، وأصبح هناك ليل وضحى ، ثم بعد ذلك دحا الأرض ، وخلق الماء والمرعى من الأرض ، وأرسى الجبال ... وهذا يناقض ( البقرة: 29) التى تقول : إن الله ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ﴾ . أي : بما فيها من ماء ومرعى وجبال قبل خلق السماء .

ونجد فى (سورة فصلت )

﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ (فصّلت:9-12) .

فهنا الله خلق الأرض أولاً ، ووضع فيها الرواسي ، ثم سوَّى السماء ، بينما في ( النازعات ) يقول : إن الله سوَّى السماء أولاً ، ثم جعل الرواسي في الأرض ، حيث قال ﴿ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴾(النازعات:32) .

السؤال هنا :

هل الله خلق كل ما فى الأرض جميعًا من ماء ومرعى وجبال ، ثم سوَّى السماء ، بحسب ( البقرة: 29 ) ؟ أم أن الله سوَّى السماء أولا ، ثم خلق ما فى الأرض من ماء ومرعى وجبال ، بحسب ( النازعات: 27- 31) ؟؟؟

إن الماء والمرعى والجبال ، هل هي أشياء فى الأرض ، أم لا ؟؟؟ طبعًا هي أشياء في الأرض ... فبحسب ( البقرة: 29 ) يكون الله قد خلقهم الأول ؛ لأن الله خلق ما فى الأرض جميعًا ، ثم سوَّى السماء .

لكن فى ( النازعات: 27- 31 ) نجد أن الله سوَّى السماء الأول ، ويقول كلمة ( وبعد ذلك ) الأرض بعد ذلك أخرج منها الماء والمرعى والجبال .

هل تقدر أن تقول لي : الأنهار خلقت قبل خلق السماء ؟ أم خلقت بعد خلق السماء ؟؟؟

لو قرأت ( البقرة 29 ) ، لا يساورك أدنى شك في أن الله خلق الأنهار أولاً قبل خلق السماء ؛ لأن الأنهار هي شيء فى الأرض ، والله خلق ما في الأرض جميعًا الأول ... لكن في النازعات الله خلق السماء الأول ، وبعد ذلك أخرج الماء . أي : الأنهار ، وجعل المرعى ، وهو الشيء المعتمد على المياه .

السؤال الثاني :

الجبال التى هي الرواسي ، هل خلقها الله أولاً قبل السماء ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا ﴾( فصلت: 9) ، أم السماء كانت أولاً قبل الجبال ﴿ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴾(النازعات: 32) ؟؟؟

إن لم يكن هذا هو التناقض ، فماذا يكون التناقض ؟؟؟ ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ﴾(النساء:82) . وهنا نجد ما بين سورة البقرة ، وسورة النازعات اختلافًا كثيرًا )) .

الجواب عن هذه الشبهة

أولاً- هذه الشبهة قديمة أثارها بعض الملحدة ، وحكاها المفسرون عنهم ، وهي مبنية على سؤالين :

السؤال الأول : هل خلق الله الأرض وما فيها جميعًا ، ثم خلق السماء ، أم أن الله خلق السماء أولا ، ثم خلق الأرض وما فيها جميعًا ؟

والسؤال الثاني : هل خلق الله الجبال قبل السماء ، أم خلق السماء قبل الجبال ؟ وهذا السؤال يرجع في حقيقته إلى الأول . ولأهل التأويل وعلماء التفسير في الإجابة عن ذلك قولان مشهوران :

القول الأول : إن السموات وما فيها مخلوقة قبل خلق الأرض وما فيها ، فضلاً عن دحوها ، لقوله تعالى :﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾(النازعات:27-30) .

والقول الثاني : إن الأرض وما فيها مخلوقة قبل خلق السموات وما فيها ، لقوله تعالى :﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ﴾(البقرة:29) ، وقوله :﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ إلى أن قال سبحانه :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ ﴾(فصّلت:9-12) .

والقول الأول مرويٌّ عن قتادة والسدِّي ، والقول الثاني هو قول الجمهور ، وروي عن ابن عباس أنه أجاب به رجلاً ، قال له : آيتان في كتاب الله تعالى تخالف إحداهما الأخرى . فقال : إنما أتيت من قبل رأيك ، اقرأ :﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ ، حتى بلغ ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ﴾(فصّلت:9-12) ، وقوله تعالى :﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾( النازعات:30) . قال :« خلق الله تعالى الأرض قبل أن يخلق السماء ، ثم خلق السماء ، ثم دحا الأرض بعدما خلق السماء ، وجعل فيها الرواسي والأنهار وغير ذلك »

وذكر الشنقيطي قول ابن عباس هذا ، وعقَّب عليه بقولهً :« وهذا الجمع الذي جمع به ابن عباس بين الآيتين واضح لا إشكال فيه ، مفهوم من ظاهر القرآن العظيم ؛ إلا أنه يرَد عليه إشكال من آية البقرة هذه ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾(البقرة:29) ، وإبضاحه : أن ابن عباس جمع بأن خلق الأرض قبل خلق السماء ، ودحوُها بما فيها بعد خلق السماء ، وفي هذه الآية التصريح بأن جميع ما في الأرض مخلوق قبل خلق السماء ؛ لأنه قال فيها :﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ .. ﴾(البقرة: 29) » .

واستطرد الشنقيطي قائلاً :« وقد مكثت زمنًا طويلاً أفكر في حل هذا الإشكال حتى هداني الله إليه ذات يوم ، ففهمته من القرآن العظيم . وإيضاحه : أن هذا الإشكال مرفوع من وجهين ، كل منهما تدل عليه آية من القرآن :

الأول : أن المراد بخلق ما في الأرض جميعًا قبل خلق السماء : الخلق اللغوي الذي هو التقدير ، لا الخلق بالفعل الذي هو الإبراز من العدم إلى الوجود . والعرب تسمي التقدير : خلقًا ، ومنه قول زهير :

وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ ... وَبَعْضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي

والدليل على أن المراد بهذا الخلق : التقدير ، أنه تعالى نصَّ على ذلك في سورة ( فُصِّبت ) ، حيث قال :﴿ وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ﴾ ، ثم قال :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ ﴾ .

الوجه الثاني : أنه لما خلق الأرض غير مُدْحُوَّة ، وهي أصل لكل ما فيها ، كان كل ما فيها كأنه خلق بالفعل لوجود أصله فعلاً . والدليل من القرآن على أن وجود الأصل يمكن به إطلاق الخلق على الفرع ، وإن لم يكن موجودًا بالفعل ، قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ الْآيَةَ ﴾(الأعراف:11) ، فَقَوْلُهُ :﴿ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ﴾ . أَيْ : بخلقنا وتصويرنا لأبيكم آدم الذي هو أصلكم .وجمع بعض العلماء بأن معنى قوله :﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾(النازعات:30) . أي : مع ذلك ، فلفظة ( بعد ) بمعنى : مع .. فلا إشكال في الآية ، ويستأنس لهذا القول بالقراءة الشاذة ( وَالْأَرْضَ مَعَ ذَلِكَ دَحَاهَا ) » .

وهكذا تمكن الشنقيطي بهداية الله له من حل هذا الإشكال في الآية بعد أن مكث زمنًا طويلاً يفكر في حله ، كما قال .. وما ذكره في الوجه الثاني من أنه يمكن إطلاق الخلق الأصل على الفرع ، وإن لم يكن موجودًا ، لا حقيقة له ، وما استشهد به عليه من قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ الْآيَةَ ﴾(الأعراف:11) ، بأن المراد : خلقنا أباكم آدم الذي هو أصلكم ، ثم صورناه ، هو قول الحسن ويوسف النحوي ، وهو القول المختار ، وهو خطأ ؛ لأن المراد من قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ﴾ : ولقد خلقنا أصولكم البشرية . أي : خلقناكم بشريًّا ، وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ﴾ يعني : صورناكم إنسانيًّا عبر جيناتكم ، وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ ﴾ يعني : الأمر للملائكة بالسجود لآدم الذي هو أبوكم إنسانيًّا ، وهذا هو الترتيب المنطقي لهذه الجمل التي فصل بينها بـ( ثم ) ، وهي على بابها من الدلالة على المهلة والتراخي .

وأما ما ذكره في الوجه الأول من أن المراد بخلق ما في الأرض جميعًا قبل خلق السماء : الخلق اللغوي الذي هو التقدير ، لا الخلق بالفعل الذي هو الإبراز من العدم إلى الوجود ، فهو قول أكثر المفسرين ، وإليه ذهب أبو حيان من فبله ، فقال عند تفسير آية فصِّلت ، بعد أن ذكر أقوال من تقدمه من المفسرين فيها :« والمختار عندي أن يقال : خَلْقُ السماء مُقدَّم على خَلْقِ الأرض ، وتأويل الآية : أن الخَلْقَ ليس عبارة عن التكوين والإيجاد ؛ بل الخَلْقُ عبارة عن التقدير ، وهو في حقه تعالى ، حكمُه أن سيوجد ، وقضاؤه بذلك بمعنى : خلق الأرض في يومين . وقضاؤه بأن سيحدث كذا . أي : مدة كذا ، لا يقتضي حدوث ذلك في الحال ، فلا يلزم تقديم إحداث الأرض على إحداث السماء » .

وذهب الألوسي أيضًا إلى أن معنى الخلق هنا : التقدير ، وأضاف إليه معنى آخر ، وهو أن يكون خلق بمعنى : أراد أن يخلق ، فقال :« قال بعض المحققين : اختلف المفسرون في أن خلق السماء مقدم على خلق الأرض ، أو مؤخر ؟ نقل الإمام الواحدي عن مقاتل الأول ، واختاره المحققون ، ولم يختلفوا في أن جميع ما في الأرض مما ترى مؤخر عن خلق السموات السبع ؛ بل اتفقوا عليه ، فحينئذ يجعل الخلق في الآية الكريمة بمعنى التقدير ، لا الإيجاد . أو بمعنى : الإيجاد ، ويقدر الإرادة ، ويكون المعنى Sad أراد خلق ما في الأرض جميعًا لكم ) .. ولا يخالفه :﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾(النازعات:30) ؛ فإن المتقدم على خلق السماء إنما هو تقدير الأرض وجميع ما فيها . أو إرادة إيجادها ، والمتأخر عن خلق السماء إيجاد الأرض وجميع ما فيها ، فلا إشكال . وأما قوله سبحانه :﴿ خَلَقَ الأرض في يَوْمَيْنِ ﴾( فصلت:9) فعلى تقدير الإرادة ، والمعنى : أراد خلق الأرض ، وكذا :﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ ﴾(فصلت:10) ينبغي أن يكون بمعنى : أراد أن يجعل ، ويؤيد ذلك قوله تعالى :﴿ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾(فصلت:11) فإن الظاهر أن المراد : ائتيا في الوجود ، ولو كانت الأرض موجودة سابقة لما صح هذا ؛ فكأنه سبحانه قال : أئنكم لتكفرون بالذي أراد إيجاد الأرض وما فيها من الرواسي والأقوات في أربعة أيام ، ثم قصد إلى السماء ، فتعلقت إرادته بإيجاد السماء والأرض ، فأطاعا بأمر التكوين ، فأوجد سبع سموات في يومين ، وأوجد الأرض وما فيها في أربعة أيام » .

وانتهى الألوسي من هذا التخبط كله إلى القول :« وبعد هذا كله ، لا يخلو البحث من صعوبة ، ولا زال الناس يستصعبونه من عهد الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- إلى الآن »

ثانيًا- وتعقيبًا على ما قاله الألوسي أقول : إذا كان البحث لا يخلو من صعوبة ، ولا زال الناس - وهم أهل القرآن - يستصعبونه من عهد الصحابة إلى الآن ، فلماذا العتب- إذًا- على أعداء الإسلام الذين لا يتقنون اللغة العربية ولا يحسنون فهمها ، إن ادَّعوا وجود التناقض في هذه الآيات وغيرها ؟

والحقيقة أنه لولا اختلاف العلماء في تأويل آيات القرآن واضطراب آرائهم وتناقض أقوالهم ، لما تجرأ أحد من أعداء الإسلام على الطعن في بلاغة القرآن وإعجازه ، واتهامه بالاختلاف والتناقض . ولو أنهم- غفر الله لهم- أمعنوا النظر في آيات القرآن الكريم ، وأحسنوا فيها التأمل والتدبر ، لما صدر منهم ذلك الكمُّ الهائل من الآراء المضطربة ، والأقوال المتضاربة التي ذكرت بعضًا منها ، ولما تركوا مجالاً لطعن طاعن ، وغمز غامز .

والمتأمل في تلك الأقوال والآراء ، يجد أن سبب تناقضها واضطرابها يكمن في عدم التفريق بين معاني Sad الخلْق ، والتقدير ، والجعْل ، والدَّحْو ، والاستواء ، والتسوية ، والقضاء ) ، وسيرى القارىء بعد معرفة ما بين هذه الألفاظ من فروق لغوية أن الأمر أهون وأيسر بكثير من أن يوصف بالصعوبة ، أو يشكل على أحد معنى الآية ، فالقرآن الكريم يخاطب الناس بلسان عربي مبين ، ولا يخاطبهم بلسان أعجميٍّ ، ولست أظن أن القوم الذين نزل القرآن بلغتهم كانوا لا يفرقون بين هذه الألفاظ .

فـ( الخَلْقُ ) في لسان العرب هو الإيجاد الفعلي للشيء وإبرازه للوجود ، وهو فعل الشيء بتقدير ورفق ، وترتيب وإحكام ، وأصلُه : التقديرُ المستقيم . والتقديرُ هو تحديد كل مخلوق بحدِّه الذي يوجد به . ولا يُسَمَّى خَلْقًا إلا بعد التنفيذ ، فلا يقال : خلقتُ كذا ، إلا إذا كنت قد أوجدته فعلاً بعد تقديره . فقولنا : خلق الشيء غير قولنا : قدَّر الشيء . وعلى هذا القول جمهور أهل السنة ، واحتجوا عليه بقول المسلمين :« لا خالق إلا الله » ، ولو كان الخلق عبارة عن التقدير لما صح ذلك ؛ لأن المعنى يؤول إلى أنه : لا مقدِّر إلا الله ، وهذا غير صحيح . فإذا علم ذلك كان من الخطأ أن يفسَّر كل منهما بالآخر ، أو أن يفسَّر خلق الأرض ، بمعنى : أراد خلْقها ، أو غير ذلك من الأقوال ..

والتقدير الذي هو أصل الخلق هو بمنزلة التصميم للبناء ، وأما التقدير الذي يأتي بعد الخلق ، كما في قوله تعالى :﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾(الفرقان:2) فالمراد منه أنه تعالى أوجد كل شيء إيجادًا مُراعًى فيه التقدير والتسوية ، فقدره وهيأه لما يصلح له . ولو كان الخلق معناه : التقدير ، لكان في الآية تكرارًا لا فائدة فيه ؛ إذ يصير المعنى : وقدر كل شيء فقدره تقديرًا ، وهذا لا يقول به أحد .

وأما قول زهير :

وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ ... وَبَعْضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي

فالخلق فيه بمعنى الإيجاد ، لا بمعنى : التقدير ؛ لأنه لا يقال في الإنسان : خلق ، إلا بعد إيجاده شيئًا وإبرازه للوجود ، فعلاً كان كما في هذا البيت ، أو قولاً كما في قول الآخر :

من كان يخلق ما يقو ... ل فحيلتي فيه قليله

وعلى هذا يحمل قوله تعالى :﴿ وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً ﴾(العنكبوت:17) . أي : تقدرون في أنفسكم كذبًا ، ثم تخلقونه . أي : تبرزونه للوجود . وأما الفري فكما يستعمل في معنى القطع ، فكذلك يستعمل في معنى الإصلاح . يقال : خَلَقْتُ الأَديم ثم فَرَيته . أي : قطعته وشَقَقْته . وفريته أيضًا : أَصْلَحته . وعلى هذا المعنى الثاني يحمل ( الفري ) في بيت زهير . أي أنت تصلح ما خلقت ، وبعض القوم يخلق ثم لا يصلح ما خلق .

أما ( الجَعْلُ ) فهو التغيُّر في الصَّيْرورَة ، ويعني إضفاء هيئة ، أو حالة ، أو صيرورة معينة ، على شيء قد تمَّ خلقه فعلاً ، وتصييره شيئًا آخر ، فلا يكون هناك جعْل بدون خلق ، فخلق الشيء : إيجاده بعد تقديره ، وجعله : تحويله بعد خلقه من شيء إلى شيء آخر . فقولنا : خلق الشيء غير جعله ؛ لأن الشيء لا يكون مجعولاً إلا إذا كان مخلوقًا ، فكيف يفسَّر الجعل بمعنى الخلْق ؟ أو بمعنى إرادة الجعل ؟

وأما ( الدَّحْوُ ) فهو تكوير الشيء مع توسعته وإخراج ما فيه ، ويستعمل بالياء أيضًا ، فيقال : دحا يَدحُو دَحْوًا ، ودحى يَدحِي دَحْيًا . وفى حديث علي رضي الله عنه ، أنه قال : اللهم دَاحِيَ المُدْحِيَّات ، يعنى : مكوِّر الأرَضينَ السبع وموسِّعَها ومخرج ما فيها ، وهي الدُّحُوَّات أيضًا ، بالواو . وقال شمر أنشدتني أعرابية :

الحمد لله الذي أطَاقَا *** بَنَى السَّماءَ فوقنا طِباقا

ثم دَحَا الأرْضَ فَما أضَاقا

قال شمر : وفَسَّرَتْه ، فقالت : دَحَا الله الأرْضَ : أوسَعَها . قالت : ويقال : نام فلانٌ فتَدَحَّى . أي : اضْطَجَع في سَعَةِ الأرْض . ودَحَا الفرسُ يَدْحُو دَحْوًا رَمَى بيديه رَمْيًا ، لا يرفع سُنْبُكَه عن الأرض كثيرًا ، ويقال للفرس مرَّ يَدْحُو دَحْوًا . ويقال : دَحَا الرجل المرأةَ يَدْحُوها : نَكَحَها . والدُّحْيَة : البيضة . والأُدْحُوَّة : بيضة النعام ، أو مكان بيض النعام ، وهو مستدير الشكل ، وكذلك : الأُدْحيُّ .

والدَّحْوُ أيضًا : اسْتِرْسالُ البطْن إلى أسفلَ وعِظَمُه ، ورَمْيُ اللاَّعِب بالحَجَر والجَوْزِ وغيرهِ . والمِدْحاةُ خشبة يَدْحَى بها الصبيُّ ، فتمر على وجه الأرض ، لا تأتي على شيء إلا أجْحَفتْه . وقال شمَّر المِدْحَاةُ : لعبة يلعب بها أَهل مكة . قال : سمعت الأَسَدِيَّ يصفها ، ويقول : هي المَداحِي والمَسَادِي ، وهي أَحجار أَمثال القِرَصَة ، وقد حفَروا حُفْرة بقدر ذلك الحَجَر ، فيَتَنَحَّون قليلاً ، ثم يَدْحُون بتلك الأَحْجار إلى تلك الحُفْرة ، فإن وقع فيها الحجر فقد قَمَر ، وإلاَّ فقد قُمِرَ . قال : وهو يَدْحُو ويَسْدُو ، إذا دَحَاها على الأَرض إلى الحُفْرة . والحُفْرةُ هي أُدْحِيَّةٌ ، وهي أُفْعُولة من دَحَوْت .

وأما ( الاستواء ) فهو اعتدال الشيء في نفسه ؛ نحو قوله تعالى :﴿ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ﴾(النجم: 6) . واستوى– كما قال الراغب الأصفهاني- متى عُدِّيَ بـ( على ) اقتضى معنى الاستيلاء ، كقوله تعالى :﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾(طه:5) ، وإذا عُدِّيَ بـ( إلى ) اقتضى معنى الانتهاء إليه ، إما بالذات ، أو بالتدبير ، كقوله تعالى :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾(البقرة:29) ، والمراد من التسوية هنا : تعديل الخلق وتقويمه وإخلاؤه من العوج والفطور .

وأما ( القضاء ) فيقتضي- كما في معجم الفروق اللغوية وغيره- فصل الأمر على التمام ، قولاً كان ذلك ، أو فعلاً ، من قولك : قضاه : إذا أتمه وقطع عمله ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً ﴾(الأنعام: 2) . أي : فصل الحكم به . وقال تعالى :﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ﴾(سبأ:14) . أي : فصلنا أمر موته . وقوله تعالى :﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ﴾(فصّلت:12) . أي : فصل الأمر بهن .

وقال الزهري :« القضاء في اللغة على وجوه مرجعها إِلى انقطاع الشيء وتمامه ، وكل ما أُحْكِم عمله أو أُتِمَّ أو خُتِمَ أو أُدِّيَ أداء أو أُوجِبَ أو أُعْلِمَ أَو أُنْفِذَ أَو أُمْضِيَ ، فقد قُضِيَ » . وقال أبو بكر:« قال أهل الحجاز : القاضي في اللغة معناه : القاطع للأمور المحكم لها . قال الله :﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ﴾(فصّلت: 12) ، أراد : فقطعهن وأحكم خلقهن » .

ثالثًا- وبعد أن عرفنا هذه الفروق اللغوية بين ( الخلْق ، والتقدير ، والجعْل ، والدَّحْو ، والاستواء ، والقضاء ) ، نعود إلى قوله تعالى في البقرة :﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾(البقرة:29) ، فنرى فيه إشارة واضحة إلى أن الأرض والسماء كانتا مخلوقتين معًا ؛ وإلا فكيف يخلق سبحانه ما في الأرض جميعًا ، دون أن يسبق ذلك خلق الأرض ؟ وكيف يستوي سبحانه إلى السماء فيسويهن سبع سموات من غير أن تكون السماء مخلوقة ؟ فالأرض مخلوقة قبلُ ، وكذلك السماء ، وهذا ما نصَّ عليه قوله تعالى : ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ ﴾(فصّلت:11) ، فعرَّف السماء بأنها دخان .

وقد أخبر الله تعالى في أكثر من آية بأنه خلق السموات والأرض وما بينهما معًا ؛ كقوله تعالى :﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾(السجدة:4) ، فهذا نصٌّ في أن خلق السموات والأرض وما بينهما معًا قد تمَّ في ستة أيام ، بدليل العطف بواو الجمع . أما تقديم لفظ السموات على لفظ الأرض في الذكر فليس بدليل على تقديمها في الخلق ؛ وإنما قدِّم لأن خلق السموات أعظم من خلق الأرض عند الله ذاتًا وصفة ، كما دل عليه قوله سبحانه وتعالى :﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا ﴾(النازعات:27) ، وقوله سبحانه :﴿ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ﴾(النبأ: 12) .

وقد جاء لفظ الأرض مقدَّمًا على لفظ السموات في قوله سبحانه :﴿ تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ﴾(طه:4) ، فقيل : لأنه الأوفق بتنزيل القرآن الذي هو من أحكام رحمته تعالى ، كما يُنبِىءُ عنه ما بعد الآية وما قبلها ، ويرمز إليه ما قبلها ؛ فإن الإنعام على الناس بخلق الأرض أظهر وأتم ، وهي أقرب إلى الحسِّ ؛ ولهذا قدِّم لفظها هنا على لفظ السموات ، مع مراعاة وصف السموات بوصف ( العُلَى ) ؛ ليدل على عظمها ، وعظم قدرة من خلقها ؛ إذ لا يمكن وجود مثلها في علوها من غيره سبحانه وتعالى .

ومما يدل على أن خلق السموات والأرض وما بينهما قد تمَّ معًا قوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾ (الأنبياء:30) . أخرج الطبري عن ابن عباس قال :« كانتا ملتصقتين » ، وفي رواية أخرى عن عبيد بن سليمان ، عن الضَّحَّاك ، قال : كان ابن عباس يقول :« كانتا ملتزقتين ، ففتقهما الله » . وأما قول من تأول الآية على أن السماء كانت رتقًا ففتقت بالمطر ، وأن الأرض كانت رتقًا ففتقت بالنبات فهو أبعد من البعيد . ولو كانتا كذلك لوجب أن يقال Sad أولم يروا أن السموات والأرض كانتا رتقين ) ، بتثنية لفظ ( الرَّتق ) .

والرَّتْقُ في اللغة : السَّدُّ . والفَتْقُ : الشَّقُّ . يقال منه : رَتَقَ فلان الفَتْقَ : إذا سَدَّه ، فهو يرتقه رَتْقًا ورُتُوقًا ، ومن ذلك قيل للمرأة التي فرجُها ملتحمٌ : رَتْقَاءُ . فكون السموات والأرض رتقًا ففتقتا دليل على خلقهما معًا في زمن واحد .

وذكر الفخر الرازي عند تفسير الآية :« أن اليهود والنصارى كانوا عالمين بذلك ؛ فإنه جاء في التوراة : إن الله تعالى خلق جوهرة ، ثم نظر إليها بعين الهيبة ، فصارت ماء ، ثم خلق السموات والأرض منها ، وفتق بينهما . وكان بين عَبَدَةِ الأوثان ، وبين اليهود نوع صداقة بسبب الاشتراك في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فاحتج الله تعالى عليهم بهذه الحجة بناء على أنهم يقبلون قول اليهود في ذلك » .

وإلى هذا القول أشار الألوسي بقوله :« واختار بعضهم أن خلْق المادة البعيدة للسماء والأرض كان في زمان واحد ، وهي الجوهرة النُّوريَّة ، أو غيرها ، وكذا فصل مادة كلٍّ عن الأخرى وتمييزها عنها . أعني : الفتق وإخراج الأجزاء اللطيفة وهي المادة القريبة للسموات ، وإبقاء الكثيفة وهي المادة القريبة للأرض ؛ فإن فصل اللطيف عن الكثيف يستلزم فصل الكثيف عنه وبالعكس » .

وسواء صحت هذه الأقوال أم لم تصح ، فإن نصَّ الآية الكريمة- كما قال صاحب كتاب القرآن وإعجازه العلمي- يتفق مع أحدث النظريات في نشأة الأرض والسماء ؛ وذلك أنهما كانتا في أول أمرهما ملتصقتين داخل السديم الذى يحتويهما ، ثم إنهما انفصلتا نتيجة انفجارات شديدة حدثت داخل السديم ، وتم الانفتاق المذكور في الآية بعد أن كانتا مرتوقتين . أي : ملتصقتين ، وفي ذلك إشارة لما حدث في الكون من انفجارات انتشرت بسببها مادة الكون فيما حولها من فضاء وفراغ ، انتهت بتكوين مختلف أجرام السماء المختلفة .

فإذا ثبت ذلك ، تبيَّن أن قوله تعالى :﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾(البقرة:29) يقتضي أن خلق الأرض وما فيها جميعًا قد تمَّ قبل تسوية السموات وما فيها ، لا قبل خلقها ؛ لأن خلقها كان مع خلق الأرض ، وأن تسوية السموات وما فيها قد تمَّ قبل تسوية الأرض وما فيها ، وأن ( ثُمَّ ) فيه على بابها من إفادتها التراخي الرتبي والزمني ؛ لأن خلْق ما في الأرض جميعًا يعني : إيجاده بعد تقديره وفق خصائص معينة تتطابق مع إرادة الخالق القاضية القاصدة ، وهو متقدِّم على تسوية السموات وما فيها . ويدلك على ذلك أن عملية التسوية في القرآن تلي عملية الخلْق . قال الله عز وجل :﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾(الانفطار:7) ، ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ﴾(الأعلى:2) ، فالخلْقُ أولاً ، ثم التسوية ثانيًا .

فكما تمّ تسوية السموات بعد خلقها وخلق ما فيها ، فكذلك تمَّ تسوية الأرض بعد خلقها وخلق ما فيها ، وتسوية الأولى تمَّت قبل تسوية الثانية ، وهذا ما دل عليه قوله تعالى :﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴾(النازعات:27-32) .

فظاهر هذه الآيات المحكمات - في نظر من لا يفرِّق بين لفظ وآخر - يقتضي أن السموات وما فيها مخلوقة قبل خلق الأرض وما فيها . وأما الذين يعرفون جواهر الكلم ويفرقون بين معاني الألفاظ فيعلمون أن الأرض دُحِيَت وأرسيت الجبال فيها بعد بناء السماء ورفع سمكها وتسويتها وإغطاش ليلها وإخراج ضحاها ، وأنه لا تناقض بين هذه الآيات ، وآية البقرة السابقة ؛ لأن بناءَ السماء ورفع سمكها وإغطاش ليلها وإخراج ضحاها غيرُ خَلْقها ، وما هي إلا مراحل أتت بعد مرحلة خلق السماء وما فيها ، وكذلك دَحْوُ الأرض . إي : إخراج الماء منها والمرعى ، وإرساء الجبال فيها ؛ إنما هي مراحل تلي مرحلة خلق الأرض وما فيها ، ويدخل ذلك كله تحت مسمَّى ( التسوية ) التي تعقب عملية ( الخلْق ) ، وتكون امتدادًا لها .

وقد تكرر وصف السماء في القرآن بالبناء . أما الأرض فقد وصفت بأوصاف كثيرة : كالدَّحْو ، والفِرَاش ، والمَهْد ، والمِهَاد ، والكِفَات ، والذَّلول ، والبِسَاط ، والقَرار ، وكلها عمليات تلي عملية الخلق ، وسأقتصرُ هنا على ذكر الصفات التي جاءت في مقابل صفة بناء السماء ؛ وهي قوله تعالى :

﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا ﴾ ، ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾(النازعات:27،30) .

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ﴾ ، ﴿ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ﴾(النبأ:6 ، 12) .

﴿ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ﴾(غافر:64) .

فلو كان بناء السماء يعني : خلقها ، لما صح أن يقال : جعل لكم الأرض قرارًا والسماء بناء ؛ لأن الجعل لا يكون إلا لشيء مخلوق . فكما جعلت الأرض قرارًا ؛ كذلك جعلت السماء بناء . ولو كان بناؤها دليلاً على خلقها قبل خلق الأرض ، لما تقدم في آيتي ( النازعات والذاريات ) ، وتأخر في آيتي ( غافر والنبأ ) . وإن دلَّ هذا على شيء ، فإنما يدلُّ على شيء واحد فقط ، وهو أن بناء السماء لا يعني خلقها ؛ وإنما يعني تسويتها . وأن تسويتها متقدمة على تسوية الأرض التي تمَّت على مراحل ؛ ومنها Sad الدحو ، والفرش ، والمهاد ، والقرار ) .

وقوله تعالى :﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾(النازعات:30) . أي : دحَا الأرض بعد أن فرغ من تسوية السماء ( بناها ورفع سمكها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ) ، ودلَّ قوله :﴿ بَعْدَ ذَلِكَ ﴾ على مرحلة تالية متأخرة . ودحاها : جعلها كالدُّحْيَة . أي : كالبيضة كرويَّة الشكل ، وأخرج منها ما خلقه فيها قبلُ من الماء والمرعى ؛ وهذا ما فسَّره قوله تعالى :﴿ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا ﴾(النازعات:31) ؛ إذ هو بدل من قوله :﴿ دََحََاهََا ﴾ ، أو عطفُ بيان له ، مُبينٌ للمراد منه ، فيكون تأخُّر الأرض ليس بمعنى تأخر ذاتها ؛ بل بمعنى تأخر دَحْوِها .

أخرج عبد بن حميد عن عطاء قال :« بلغني أن الأرض دحيت دحيًا من تحت الكعبة » . وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن علي ، قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، فلما قضى صلاته رفع رأسه فقال :« تبارك رافعها ومدبرها » . ثم رمى ببصره إلى الأرض ، فقال :« تبارك داحيها وخالقها » . وهذا نصٌّ في أن دَحْوَ الأرض غير خَلْقِها .

وقد فسر الدكتور زغلول النجار ( دَحْو الأرض ) بأنه كناية عن الثورانات البركانية العنيفة التي أخرج بها ربنا تبارك وتعالى من جوف الأرض كلَّ غلافها الغازي والمائي والصخري ، ثم قال :« وهذه كلها مراحل متتالية في تهيئة الأرض لاستقبال الحياة , وقد تمت بعد بناء السماوات السبع من الدخان الكوني الناتج عن عملية فتق الرتق » .

ثم تلا مرحلة الدَّحْوِ مرحلة إرساء الجبال ، تلك الجبال التي جعلها سبحانه رواسي في الأرض من فوقها أرساها بعد خلق الأرض ودَحْوها ؛ لتحفظ لها توازنها واستقرارها ، وهذا ما عبَّر تعالى عنه بقوله :﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ﴾(لقمان:10) ، وقوله :﴿ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ﴾(النحل:15) ، ﴿ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ ﴾(الأنبياء:31) .

أما قوله تعالى :﴿ خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ﴾(فصّلت:9) فليس له إلا معنى واحد ، وهو أن الأرض خلقت في يومين من أيام الله تعالى ، وأن معنى الخلق – كما فسرناه – هو الإيجاد الفعلي للشيء وإبرازه للوجود ، ثم تلا ذلك قوله تعالى :﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا ﴾(فصّلت:10) ، فدل ذلك على أن جعل الرواسي في الأرض من فوقها قد تمَّ بعد خلقها وخلق الأرض ، وأنه منسجم تمامًا مع قوله تعالى في آية النازعات :﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾(النازعات:30) ، ومع بقية الآيات التي ورد فيها ذكر الجبال الرواسي ؛ كقوله تعالى :

﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ ﴾(الرعد:3) .

﴿ وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ﴾(الحجر:19) .

﴿ أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ ﴾(النمل:61) .

لاحظ كيف ورد ذكر الرواسي بعد مدِّ الأرض وبعد جعلها قرارًا ! ثم تأمل قوله تعالى :﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ (ق:6-7) ، تجد كيف تمَّ تزيين السماء بالكواكب والنجوم بعد بنائها ، وكيف تم إلقاء الرواسي في الأرض بعد مدِّها ، وإنبات كل زوج بهيج فيها !

ولا يعترض على ذلك بنحو ما ذكره الألوسي من أن « آية فصِّلت ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا ﴾(فصّلت:10) ظاهرة في أن جعل الرواسي في الأرض قبل خلْق السماء وتسويتها » ؛ لأنه مبني على أن المراد من قوله تعالى :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ ﴾(فصّلت:11) إلى قوله :﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ﴾(فصّلت:12) هو خلق السماء وتسويتها سبع سموات ، وهو ليس كذلك ؛ لأن الاستواء إلى السماء- كما بينا سابقًا- يعني أنها كانت مخلوقة وأنها دخان ؛ ولأن قضاء السماء سبع سموات لا يعني تسويتها ، فالفرق بين القضاء والتسوية والخلق فرق واضح ﴿ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ .

بقي أن نعلم أن خلق الجبال التي جعلت رواسي ، وألقيت في الأرض مستقل عن خلق الأرض وغير داخل في قول الله جل وعلا :﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ﴾(البقرة:29) ، ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى :﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾(الأحزاب:72) ، فغاير سبحانه بين لفظ السموات ، والأرض ، والجبال . قال أبو حيَّان عند تفسير قوله تعالى :﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ﴾(لقمان:10) ، قال :« وذلك أن ( ألقى ) يقتضي أن الله أوجد الجبال ليس من الأرض ؛ لكن من قدرته واختراعه » .. والله تعالى أعلم ، سبحانه لا علم لنا إلا ما علمنا ، إنه هو العليم الحكيم .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tarikaleman.alafdal.net
 
- أيهما خلق أولاً : السماوات أم الأرض ؟؟؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» غلبت الروم في أدنى الأرض
»  - هل تعرف كائن على وجه الأرض لا يشرب الماء؟
»  - أيهما أفضل الزيتون الأسود ام الزيتون الأخضــر ؟!

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
((طريق الهدى)) :: الفئة الأولى :: الشريعة الإسلامية :: الفتاوى الإسلامية والأسئلة-
انتقل الى: