((طريق الهدى))
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
((طريق الهدى))
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
((طريق الهدى))
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) ‏
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  - من أسرار الإعجاز البياني في سورة ( الكافرون ) .

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 101
تاريخ التسجيل : 18/05/2012

 - من أسرار الإعجاز البياني في سورة ( الكافرون ) .	 Empty
مُساهمةموضوع: - من أسرار الإعجاز البياني في سورة ( الكافرون ) .     - من أسرار الإعجاز البياني في سورة ( الكافرون ) .	 I_icon_minitimeالثلاثاء 29 مايو 2012 - 20:05

الاعجاز البياني


قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ

من أسرار الإعجاز البياني في سورة ( الكافرون )

قال الله عز وجل :﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾(الكافرون:(1-6) .

أولاً- هذه السورة مكية ، وآياتها ست ، وتسمى : سورة البراءة ، وسورة الإخلاص . وروى الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه :« إنها تعدِل ثُلثَ القرآن » . وروى ابن الأنباري عن أنس- رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، تعدل رُبُعَ القرآن » . وأخرج الحافظ عبد الغني بن سعيد عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال : صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في صلاة الفجر في سفر ، فقرأ :﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ ، و﴿ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد ﴾ ، ثم قال صلى الله عليه وسلم :« قرأت عليكم ثُلثَ القرآن ، ورُبُعَه » . وأخرج ابنُ الأنباري عن نوفل الأشجعي ، قال : جاء رجُل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أوصني ، قال :« اقرأ عند منامك : قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ؛ فإنَّها براءةٌ من الشِّركِ » .وقال ابن عباس رضي الله عنهما :« ليس في القرآن أشدُّ غيظًا لإبليس - لعنه الله - من هذه السورة ؛ لأنها توحيد ، وبراءة من الشرك » . وقال الأصمعي :« كان يقال لـ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ ، و﴿ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد ﴾ المقشقشتان » . أي : إنهما تبرئان من النفاق ؛ كما يقشقش القطِرانُ الجرب ، فيبرئه .

وروى ابن اسحق في سبب نزول هذه السورة الكريمة ، فقال :« اعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يطوف بالكعبة- فيما بلغني- الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى ، والوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل السهمي ، وكانوا ذوي أسنان في قومهم ، فقالوا : يا محمد ! هَلُمَّ ، فلنعبد ما تعبد ، وتعبد ما نعبد ، فنشترك نحن ، وأنت في الأمر ؛ فإن كان الذي تعبد خيرًا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه ، وإن كان ما نعبد خيرًا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه . فأنزل الله تعالى فيهم :﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ.. ﴾ إلى آخر السورة » .

ومما ينبغي الإشارة إليه هنا أن العرب في جاهليتهم الأولى لم يكونوا يجحدون الله تعالى ؛ ولكنهم كانوا لا يعرفونه بحقيقته التي وصف سبحانه وتعالى بها نفسه ، والتي عرفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنون ، شأنهم في ذلك شأن الأمم الأخرى ؛ ولهذا كانوا يشركون به آلهتهم في العبادة ، وكانوا لا يقدرونه حق قدره ، ولا يعبدونه حق عبادته ؛ كغيرهم ممَّن سبقهم من عبَّاد الأصنام والأوثان . لقد كانوا يؤمنون بوجود الله تعالى ، وأنه الخالق للسموات والأرض والخالق لذواتهم ؛ ولكنهم مع إيمانهم به ، كان الشرك يفسد عليهم تصوُّرَهم ، كما كان يفسد عليهم تقاليدهم وشعائرهم ، وكانوا يعتقدون أنهم على دين إبراهيم عليه السلام ، وأنهم أهدى من أهل الكتاب الذين كانوا يعيشون معهم في الجزيرة العربية ؛ لأن اليهود يقولون : عزيرٌ ابنُ الله . والنصارى يقولون : عيسى ابنُ الله ، بينما هم يعبدون الملائكة والجن ، على اعتبار قرابتهم من الله - على حدِّ زعمهم- فكانوا يحسبون أنفسهم أهدى وأقوم طريقًا ؛ لأن نسبة الملائكة والجن إلى الله تعالى أقرب من نسبة عزير وعيسى . وهذا كله شرك ، وليس في الشرك خيار .

ولما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم يقول :﴿ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾(الأنعام: 161) ، قالوا : نحن على دين إبراهيم ، فما حاجتنا- إذًا- إلى ترك ما نحن عليه ، واتباع محمد ؟! وفي الوقت ذاته راحوا يحاولون مع الرسول صلى الله عليه وسلم خطةً وسطًا بينهم وبينه ، فعرضوا عليه أن يسجد لآلهتهم مقابل أن يسجدوا هم لإلهه ، وأن يسكت عن عيب آلهتهم وعبادتهم ، وله فيهم وعليهم ما يشترط !

ثانيًا- وافتتاح السورة الكريمة بهذا الأمر الإلهي الحاسم Sad قُلْ ) لإِظهار العناية بما بعد القول ، وهو افتتاح مُوحٍ بأن أمر هذه العقيدة هو أمر الله تعالى وحده ، ليس لمحمد صلى الله عليه وسلم فيه شيء ؛ إنما هو الله الآمر الذي لا مردَّ لأمره ، والحاكم الذي لا رادَّ لحكمه ؛ ففي قوله تعالى : ﴿ قُلْ ﴾ دليل على أنه مأمور بذلك من عند الله .

والخطاب بقوله :﴿ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ هو خطاب لجنس الكفار ، فيعم كل كافر على وجه الأرض إلى يوم القيامة ، ويدخل فيه كفار مكة دخولاً أوليًّا ؛ إذ كانوا هم المقصودون أولاً بهذا الخطاب . وخطابه صلى الله عليه وسلم لهم بهذا الوصف في ناديهم ومكان بسطة أيديهم مع ما فيه من الإرذال بهم والتحقير لهم ، دليل على أنه محروس من عند الله تعالى ، لا يبالي بهم . وإنما ابتدىء الخطاب بهذا النداء ( يَا أَيُّهَا ) الذي يجمع بين نداء النفس ، ونداء القلب ، ونداء الروح ؛ لأن النداء يُستَدعَى به إقبالُ المُنادَى على ما سيُلقَى عليه بنفسه وقلبه وروحه .

و( الْكَافِرُونَ ) جمع : كافر ، على وزن : فاعل ، من قولهم : كفر يكفر . والكفر في اللغة هو السَّتْرُ والتغطية . ووُصِفَ الليل بالكافر ؛ لأنه يغطي كل شيء . ووُصِفَ الزارع بالكافر ؛ لأنه يغطي البذر في الأرض . وكُفْرُ النعمة وكُفْرانُها : تغطيتها بترك أداء شكرها . قال أحدهم :« لو جاز أن تعبد الشمس في دين الله ، لكنت أعبدها ؛ فإنها شمس ما ألقت يدًا في كافر ، ولا وضعت يدًا إلا في شاكر » . فالكفر يضادُّه الشكر ، وهو مصدر سماعي لكَفَر يكفُر . وأصله : جَحْدُ نعمةَ المُنْعِم ، واشتقاقه من مادة الكَفْر ، بفتح الكاف ، وهو السَّتْرُ والتَّغطِيةُ ؛ لأن جاحد النعمة قد أخفى الاعتراف بها ، كما أن شاكرها أعلنها ؛ ولذلك صيغ له مصدر على وزان الشُّكر ، وقالوا أيضًا : كُفْرانٌ ، على وزن شُكْران ، ثم أطلق الكفر في القرآن الكريم على جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة ، بناء على أنه أشد صور كفر النعمة ؛ وذلك أعظم الكفر .

واستعمال الكفران في جحود النعمة أكثر من استعمال الكفر ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ﴾(الأنبياء:94) . واستعمال الكفر في الدين أكثر من استعمال الكفران ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ﴾(النساء:136) ، وقوله سبحانه :﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾(المائدة:44) . وأما الكُفُور فيستعمل فيهما جميعًا ؛ كما في قوله تعالى :﴿ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُوراً ﴾(الإسراء:99) .

وجاء الأمر في هذه السورة بندائهم بوصف الكافرين :﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ ، وأما في سورة الزُّمَر فجاء الأمر بندائهم بوصف الجاهلين :﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ﴾(الزمر:64) ، وبيان ذلك : أن سورة ( الكافرون ) نزلت فيهم بتمامها ، وليس كذلك سورة ( الزُّمَر ) ؛ ولهذا كان لا بدَّ من أن تكون المبالغة بالوصف فيها أبلغَ وأشدَّ ؛ إذ لا يوجد لفظ أبلغ في الكشف عن حقيقة هؤلاء القوم ، وأشدُّ وقعًا عليهم ، وإيلامًا لهم من لفظ الكافرين . ثم إنه لا يوجد لفظ أبشع ولا أشنع من هذا اللفظ ؛ لأنه صفة ذمٍّ عند جميع الخلق ، سواء كان مطلقًا أو مقيدًا . وأما لفظ الجاهلين فإنه عند التقييد قد لا يذم ؛ كقوله عليه الصلاة والسلام في علم الأنساب :« علم لا ينفع ، وجهل لا يضر » ، خلافًا للجهل المطلق فهو الذي يذم ؛ إذ هو كالشجرة ، والكفر منه كالثمرة ؛ ولذلك لما نزلت هذه السورة ، وقرأها على رؤوسهم شتموه وأيسوا منه .

ولكون الكفر ثمرة للجهل وصفة ذمٍّ ، لم يقع الخطاب به في القرآن في غير موضعين ، هذا أحدهما ، والثاني قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ﴾(التحريم:7) ، والفرق بين الوصفين :

أن ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) يحتمل أن يكونوا قد آمنوا ، ثم كفروا . وأما ( الْكَافِرُونَ ) فيدل على أن الكفر صفة ملازمة لهم ثابتة فيهم ؛ سواء كانوا أصحاب عقيدة يؤمنون بأنها الحق ، أو لم يكونوا .. وهكذا يوحي مطلع السورة وافتتاحها بهذا الخطاب بحقيقة الانفصال الذي لا يُرجَى معه اتصال أبدًا بين الكفر والإيمان ، وبين الحق والباطل !

ولسائل أن يسأل : لمَ جاء خطابهم في قوله تعالى :﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ بالأمر ( قُلْ ) ، وجاء بدونه في قوله :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ﴾ ؟ ويجاب عن ذلك بأن الخطاب في سورة التحريم إنما هو خطاب لهم يوم القيامة ، وهو يومٌ لا يكون فيه الرسول رسولاً إليهم . ثم إنهم في ذلك اليوم يكونون مطيعين ، لا كافرين ؛ فلذلك ذكرهم الله عز وجل بقوله :﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ . وأما الخطاب في سورة الكافرين فهو خطاب لهم في الدنيا ، وأنهم كانوا موصوفين بالكفر ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم رسولاً إليهم ؛ فلهذا جاء خطابهم بقوله تعالى :﴿ قُلْ ﴾ ، وفي ذلك إشارة إلى أن من كان الكفر وصفًا ثابتًا له لازمًا لا يفارقه ، فهو حقيق أن يتبرَّأ الله تعالى ورسله منه ، وممَّا يعبد من دون الله تعالى ، ويكون هو أيضًا بريئًا من الله تعالى ورسله ودينهم .

فإن قيل : إنه عليه الصلاة والسلام كان مأمورًا بالرفق واللين في جميع الأمور ؛ كما قال تعالى :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾(الأنبياء:107) ، ﴿ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ﴾(آل عمران:159) ، كما أنه كان مأمورًا بأن يدعو إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى :﴿ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾(النحل:125) ، ولما كان الأمر كذلك ، فكيف يليق ذلك الرفق واللين والحسن بهذا التغليظ في قوله :﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ ؟

والجواب عن ذلك بأنه عليه الصلاة والسلام مأمور بهذا الكلام من الله عز وجل ، لا أنه ذكره من عند نفسه ، فهو رسول مبلغ عن ربه ما أمره بتبليغه بنص ِّقوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾(المائدة:67) ، فأمره سبحانه بتبليغ كل ما أنزل عليه ، فلما قال له تعالى :﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ نقل هو- عليه الصلاة والسلام- هذا الكلام بجملته ، وبلغه إلى كل كافر ؛ كما أمره ربه جل وعلا .

والسور المفتتحة في القرآن بصيغة الأمر ( قُلْ ) خمس سور : الأولى سورة ( الجن ) ، والثانية سورة ( الكافرون ) ، والثالثة سورة ( الإخلاص ) ، والرابعة والخامسة ( المعوِّذتان ) ؛ فالثلاث الأول نزلت لقول يبلِّغه ، والمعوِّذتان نزلتا لقول يقوله لتعويذ نفسه .

ثالثًا- وقوله :﴿ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ جواب للنداء ، وهو نفي لعبادته ما يعبدونه فيما هو كائن لم ينقطع ، وقابله بقوله :﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ ، وهو نفي لعبادتهم ما يعبده هو في المستقبل . وأما قوله :﴿ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ فهو نفي لعبادته ما عبدوه في المستقبل ، وقابله بقوله :﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ ، وهو نفي لعبادتهم ما يعبده في المستقبل . وعلى هذا فلا تكرار أصلاً في السورة ، خلافًا لمن زعم أن هذا تكرار الغرض منه التوكيد . وبهذا الذي ذكرت تكون الآيات الكريمة قد استوفت أقسام النفي عن عبادته صلى الله عليه وسلم ، وعبادة الكافرين ، في الماضي والحاضر والمستقبل ، بأوجز لفظ وأخصره وأبينه .

ثم إن في تكرير الأفعال بصيغة المضارع ( أَعْبُدُ ) الذي يدل على ما هو كائن لم ينقطع ، حين أخبر صلى الله عليه وسلم عن نفسه ، وتكريرها بصيغة المضارع ( تَعْبُدُونَ ) والماضي ( عَبَدتُّمْ ) ، حين أخبر عنهم ، سرٌّ بديع من أسرار البيان ، وهو الإشارة والإيماء إلى عصمة الله تعالى له عن الزيغ والانحراف عن عبادة معبوده ، والاستبدال به غيره ، وأن معبوده عليه الصلاة والسلام واحد في الحال ، وفي المآل على الدوام ، لا يرضى به بدلاً ، ولا يبغي عنه حولاً ، بخلاف الكافرين ؛ فإنهم يعبدون أهواءهم ، ويتبعون شهواتهم في الدين وأغراضهم ، فهم بصدَد أن يعبدوا اليوم معبودًا ، وغدًا يعبدون غيره .

رابعًا- وقال :﴿ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ ، فعبَّر عن معبودهم ، ومعبوده بـ( مَا ) ، و( ما ) في مذهب الجمهور لما لا يعقل . فإن صحَّ التعبير بها عن معبودهم ؛ لأنه أصنام لا تعقل ، فكيف عبَّر بها عن معبوده ، وهو الباري جل وعلا ؟ ولمَ لمْ يعبِّر عنه بـ( مَنْ ) التي أجمعوا على وقوعها على من يعقل ، فيقول :﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَنْ أَعْبُدُ ﴾ ؟ ... وقد أجابوا عن ذلك من وجوه :

أحدها : أن ( مَا ) بمعنى Sad الَّذِي ) ، وهو اسم موصول يُعبَّر به عن العاقل ، وغير العاقل . والتقدير : لا أعبد الذي تعبدون ، ولا تعبدون الذي أعبد .

الثاني : أن المراد من معبودهم ومعبوده الصفة ، والمعنى : لا أعبد الباطل ، ولا أنتم تعبدون الحق .

الثالث : أن ( مَا ) مصدرية تقدَّر مع ما بعدها بالمصدر ، والمعنى : لا أعبد عبادتكم ، ولا أنتم تعبدون عبادتي ؛ كما في قوله تعالى :﴿ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء ﴾(النساء:3) .

الرابع : أنه لما قال أولاً :﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ ، ومعبودهم لا يصلح للتعبير عنه إلا ( مَا ) ، حمل عليه قوله :﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ ، وإن كان المراد بمعبوده الباري جل وعلا ، قصدًا لازدواج الكلام في البلاغة والفصاحة ، فاستوى بذلك اللفظان وتقابل الكلامان ، ولم يتنافيا .

الخامس : أن ( مَا ) ، و( مَنْ ) قد تتعاقبان ، فتقع إحداهما موقع الأخرى ؛ كما في قوله تعالى في أحد القولين :﴿ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء ﴾(النساء:3) ، ﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم ﴾(النساء:22) . أي : فانكحوا مَنْ طاب لكم من النساء ، ولا تنكحوا من نكح آباؤكم منهن ، فعبَّر بـ( مَا ) ، تنزيلاً للإناث منزلة غير العقلاء . وقوله :﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَنْ لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ ﴾(الأحقاف:5) . أي : يدعو من دون الله ما لا يستجيب له ، فعبَّر عنه بـ( مَنْ ) ، تنزيلاً لما لا يعقل منزلة العقلاء .

وتعقيبًا على هذه الوجوه أقول بعون الله وتعليمه :

1- أما القول بأن ( مَا ) بمعنى ( الَّذِي ) فهو مبنيُّ على اعتبار أنهما اسمان موصولان . وهذا الاعتبار مبني في الأصل على التقسيم الثلاثي القاصر لأقسام الكلم في اللغة العربية ؛ إذ حصروه في : الاسم والفعل والحرف . وكان ينبغي أن تحل الأداة محل الحرف في هذا التقسيم ؛ كما كان ينبغي أن تتسع دائرة هذا التقسيم ؛ لتشمل ما يسمَّى بالصفة ، والضمير ، وغيرهما من الكلمات التي لم تنل حظًّا وافرًا من التحقيق اللغوي .

ومن الواضح أن حصر أنواع الكلم في ( الاسم والفعل والحرف ) قد خلق كثيرًا من اللبس والاختلاط وسوء الفهم ؛ فمن ذلك إطلاقهم مصطلح ( الاسم ) على أنواع من ( الضمائر والصفات ) ، فكان هناك ما يسمَّى بـ( الأسماء الموصولة ) ، وكان ينبغي أن يطلق عليها اسم ( الضمائر الموصولة ) ، وهذه الضمائر الموصولة بعضها صفات ؛ كـ( مَنْ ، والَّتِي ) ، وبعضها الآخر كنايات ؛ كـ( مَنْ ، ومَا ) .

ويمكن إدراك الفرق بين ( الَّذِي ) ، و( مَا ) ، و( مَنْ ) من مراقبة وظيفة كل منها في الجملة ، تقول Sad الرجل الذي زارني عالم ) ، ولا تقول Sad الرجل ما زارني عالم ) ، أو Sad الرجل من زارني عالم ) ؛ لأن ( مَا ) ، و( مَنْ ) لا يكونان صفة ، كما يكون ( مَنْ ) ؛ وإنما يكونان كناية .. فإذا قيل Sad الذي زارني عالم ) فمن حلول الصفة محلَّ الموصوف ، وإذا قيل :« من زارني عالم » و Sad ما عندي خير مما عندك ) فمن حلول الكناية محلَّ المَكْنِيِّ عنه ، ويُعَبَّر بهما عن المفرد والجمع ، بخلاف ( مَنْ ) ؛ إذ لا يُعَبَّر به إلا عن المفرد .. وهذا هو أحد أوجه الفرق بين هذه الألفاظ الثلاثة : ( ما ، ومن ، والذي ) .

2- وأما القول بأن المراد من معبودهم ومعبوده الصفة ، وأن المعنى : لا أعبد الباطل ، ولا أنتم تعبدون الحق ، فهو قول فاسد ؛ لأن المراد إعلام الكافرين براءتم من عبادة معبوده الموصوف بأنه الحق ، وبراءته عليه الصلاة والسلام من عبادة معبودهم الموصوف بالباطل . وفرق كبير بين أن يقال Sad فلان يعبد الله الحق ) ، وأن يقال Sad فلان يعبد الحق ) ؛ فالثاني فاسد قطعًا ؛ بل هو شرك نعوذ بالله تعالى منه ؛ لأن الصفة غير الموصوف ، وإن كانت صفة لله . فالعبادة لا تكون للصفة ؛ وإنما تكون لله عز وجل الموصوف بهذه الصفة ، والتي استحق لأجلها العبادة . فلو تعبد الإنسان لصفة من صفات الله ، لم يكن متعبدًا لله ؛ وإنما يكون متعبدًا لتلك الصفة . قال تعالى :﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾(الأنعام:162) ؛ فلكونه تعالى رب للعالمين استحق العبادة .

3- وأما القول بأن ( مَا ) مصدرية تقدَّر مع ما بعدها بالمصدر ، وأن المعنى : لا أعبد عبادتكم ، ولا أنتم تعبدون عبادتي ، فليس كذلك ؛ إذ المراد- كما تقدم- براءته عليه الصلاة والسلام من معبودهم ، وإعلامهم أنهم بريئون من معبوده . فالمقصود المعبود لا العبادة ، ولو جعلت مصدرية ، لما دلت على هذا المعنى .. فتبين أن كونها موصولة أنسب وأجود ؛ لإبهامها ووقوعها على الجنس العام . ونظير ذلك قوله تعالى :﴿ وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ﴾(يونس:41) .

أما قوله تعالى :﴿ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء ﴾(النساء:3) فليست ( مَا ) فيه مصدرية ، أو واقعة موقع ( مَنْ ) ، وإنما أوثر التعبير هنا بـ( ما ) ؛ لأنه نُحِيَ بها مَنْحَى الصفة ، وهو الطِّيب من جنس النساء ، بِلا تعيين ذات ، وإن كان فيها الإشارة إلى الذات . أو أريد بها النوع . أي : فانكحوا النوع الطيب من النساء . ولو قيل Sad فانكحوا مَنْ طاب لكم ) ، لتبادر إلى الذهن إرادة نسوة معروفات بينهم بحسبهن ونسبهن .. وكذلك حال ( مَا ) في الاستفهام ، فإذا قلت Sad ما تزوجت ؟ ) ، فأنت تريد : ما صفتها ؟ أبكرًا ، أم ثيِّبًا ؟ . وإذا قلت Sad مَنْ تزوجت ؟ ) ، فأنت تريد تعيين اسمها ونسبها .. وهذا- كما قال ابن قيِّم الجوزيَّة- باب لا ينخرم ، وهو من ألطف مسالك العربية .. فتأمل !!!

4- وأما القول بأنه قال :﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ ، ولم يقل Sad من أعبد ) ؛ ليقابل به ، قوله :﴿ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ ، فهو قول مبني على أن المراد بمعبودهم الأصنام ، وهو قول ضعيف ؛ لأنه يحصر براءته عليه الصلاة والسلام من عبادة الأصنام التي يعبدها كفار العرب ، دون غيرها مما يعبده كفار أهل الأرض جميعهم من دون الله عز وجل . والنبي عليه الصلاة والسلام قد أعلن براءتهم من عبادة معبوده ، وبراءته من عبادة معبودهم على الإطلاق ، فشملت البراءة كل ما يعبده الكفار من الأصنام والأوثان ، ومن شياطين الإنس والجن ، ومن الملائكة والمسيح ، وغير ذلك مما يعقل ولا يعقل . فتخصيص البراءة من الشرك بشرك كفار العرب غلط كبير ؛ وإنما هي براءة من كل شرك . ثم إن كون الرب جل وعلا يتصف بما تتصف به الأصنام من عدم العلم فهو مما لا يجوز عليه سبحانه ، ولا تصح المقابلة في مثل ذلك ؛ بل المقصود التعبير عن معبودهم ومعبوده على الإطلاق دون تخصيص ؛ ليتبرأ من معبودهم ، ويبرئهم من معبوده على الإطلاق .

5- وأما القول بأن ( مَا ) ، و( مَنْ ) قد تتعاقبان ، فتقع إحداهما موقع الأخرى ، فليس كذلك ؛ لأن ( مَا ) ضمير موصول يقع على الأجناس كلها ، ولا يقع فيها إلا على جنس تتنوَّع منه أنواع ، فإذا أوقعوها على نوع بعينه وخصُّوا بها ما يعلم ويعقل ، أبدلوا ألفها نونًا ساكنة ، فقالوا : ( مَنْ ) .

تأمل قوله تعالى :﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ﴾(الأحقاف:4) ، كيف عبَّر سبحانه عن معبود الكافرين بقوله :﴿ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ ، فدل على أنه جنس تحته أنواع ، هي أصنامهم ، وأوثانهم ، وكل ما يدعونه من دون الله تعالى ، مما يعقل ولا يعقل ، وهذا المعنى لا يصلح للتعبير عنه غير ( مَا ) المبهمة التي تقع على كل شيء .

ثم تأمل قوله تعالى في الآية التي تلت الآية السابقة :﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ﴾(الأحقاف:5) ، كيف عدل سبحانه عن ( مَا ) في الآية السابقة إلى ( مَنْ ) في قوله :﴿ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ ﴾ ، فدل على أن المراد به النوع الذي يعقل ، ممَّن يدعونه من دون الله ، من شياطين الإنس والجن ، والملائكة وعيسى عليهم السلام ، ونحوهم ؛ فإن هؤلاء لا يستجيبون لمن يعبدونهم ويدعونهم من دون الله إلى يوم القيامة ، وهم عن دعائهم غافلون .

فلما كان المراد الجنس العام دون تخصيص أتِي بـ( مَا ) ، ولما كان المراد نوع معين من أنواع الجنس العام ، وتخصيصه بمن يعقل أتِيَ بـ( مَنْ ) . ولو كان المعنى في الموضعين- على ما قيل- واحدًا ، لم يكن لهذا العدول أي معنى . ثم لو كان المراد بقوله تعالى :﴿ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ الأصنام وحدها ، لما احتيج تقييده بقوله تعالى :﴿ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ . وهذا الاحتياج للتقييد ينبعث من كون ( مَا ) مبهمة عامة ، وحيث كانت بإبهامها وعمومها واقعة على الجنس العام ومتناولة لله جل وعلا ، احتيج ذلك إلى هذا التقييد . فلو كانت مختصة بما لا يعقل ، لما احتيج إليه ، ولما كان له فائدة سوى التأكيد . أما بناء على أنها واقعة على الجنس العام ، ومتناولة لما يعقل وما لا يعقل ، تكون فائدة هذا التقييد التأسيس ، والتأسيس أولى من التأكيد ؛ لأنه الأصل ، فحمل الكلام عليه أولى من حمله على التأكيد .

خامسًا- وقد سبق أن ذكرنا أن الخطاب في قوله :﴿ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ هو خطاب للجنس ، فيتناول كل كافر ؛ سواء كان ممن يظهر الشرك ، أو كان ممن فيه تعطيل لما يستحقه الله تعالى من العبادة ، واستكبار عن عبادته . ولذلك لم يقل Sad يا أيها المشركون ) . أو Sad يا أيها النصارى ) . أو Sad يا أيها اليهود ) ؛ وإنما قال :﴿ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ ! فخاطب جنس الكافرين على اختلاف أنواعهم ومشاربهم .

ثم قال :﴿ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ ، فنفى عليه الصلاة والسلام عبادته لما يعبدون ، وعبادتهم لما يعبد نفيًا مطلقًا . وما يعبدونه هم ويعبده هو معناه : المعبود . والمعبود لفظ مطلق يتناول المفرد والجمع ، والمذكر والمؤنث ؛ فهو يتناول كل معبود لهم . والمعبود هو الإله ، ويتضمن إضافة إلى العابد ؛ فكأنه- عليه الصلاة والسلام- قال : لا أعبد إلهكم ، ولا تعبدون إلهي ؛ كما ذكر الله تعالى فى قصة يعقوب عليه السلام ، فقال :

﴿ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾(البقرة: 133)

فأخبر سبحانه أن إله يعقوب وإله آبائه- إبراهيم وإسماعيل وإسحاق صلوات الله وسلامه عليهم- هو الذي يعبده هؤلاء ويألِّهونه ، ويعبده كل من كان على ملتهم ؛ كما قال يوسف عليه السلام :

﴿ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ﴾(يوسف: 37- 38) إلى قوله :﴿ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾(يوسف:40)

فتبين أن ملة آبائه هي عبادة الله جل وعلا ، وهي ملة إبراهيم وإسحق ويعقوب عليهم السلام ، وقد قال الله تعالى :﴿ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾(البقرة:130) ، فبين أن كل من رغب عن ملة إبراهيم – عليه السلام - هو سفيه . وإذا كان كذلك فاليهود والنصارى وكفار مكة وغيرهم ليسوا على ملة إبراهيم ، وإذا لم يكونوا على ملته لم يكونوا يعبدون إلهه .

ولفظ الإله يراد به : المستحق للإلهية والعبادة ، ويراد به : كل ما اتُّخِذ إلهًا باطلاً وعُبِد من دون الله سبحانه ، وهو جنس تحته أنواع منه ؛ كالأصنام ، والأوثان ، والمسيح بن مريم ، وعُزَيْر ، والأحبار والرهبان ، والإناث من الملائكة ، والشياطين من الإنس والجن ، والشمس والقمر ، والدرهم والدينار ، وكل ما عبد ويعبد من دون الله سبحانه ، ممَّا يسمَّى آلهة .

فإذا عرفت ذلك ، تبيَّن لك أن المراد من قوله :﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ التعبير عن إله الكافرين على الإطلاق ، دون تخصيص بالأصنام ، أو غيرها ، وأن المراد من قوله :﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ التعبير عن إلهه جل وعلا على الإطلاق ، دون تخصيص ؛ لأن امتناعهم عن عبادة الله تعالى لم يكن لذاته ؛ بل كانوا يظنون أنهم كانوا يعبدون الله ؛ ولكنهم كانوا جاهلين به . قال تعالى :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً ﴾(الفرقان:60) . وإنما قالوا :﴿ وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا ﴾ ؛ لأنهم لا يعرفونه بحقيقته التي وصف بها سبحانه نفسه ، والتي عرفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، ووصفه بها . ولو كانوا يعرفونه حق معرفته ويقدرونه حق قدره لقالوا Sad ومن الرحمن ؟ أنسجد لمن تأمرنا ؟ ) ؛ ولهذا ناسب إيقاع ( مَا ) عليه ، دون ( مَنْ ) ؛ لأن من جلَّت عظمته حتى خرجت عن الحصر وعجزت الأفهام عن كنه ذاته ، وجب أن يقال فيه Sad هو ما هو ) ؛ كقول العرب :« سبحان ما سبح الرعد بحمده » ، وقولهم :« سبحان ما سخَّركُنَّ لنا » . فـ( مَا ) في هذه الموضع ونحوه اقتضاها الإبهام وتعظيم المعبود ، مع أن الحسَّ منهم مانعٌ لهم أن يعبدوا معبوده كائنًا ما كان ؛ فلهذا حسُنت ، دون « مَنْ » .

وبنحو هذا أجاب الشيخ السهلي رحمه الله ، ثم ذكر جوابًا آخر ؛ وهو :« أنهم كانوا يشتهون مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم حسدًا له وأنفة من اتباعه ، فهم لا يعبدون معبوده ، لا كراهية لذات المعبود ؛ ولكن كراهية لاتباعه صلى الله عليه وسلم ، وشهوة منهم لمخالفته في العبادة ، كائنًا ما كان معبوده ، وإن لم يكن معبوده إلا الحق سبحانه وتعالى .. فعلى هذا لا يصح في النظم البديع والمعنى الرفيع إلا ( مَا ) ، لإبهامها ، ومطابقتها الغرض الذي تضمنته الآية » .

وأقرب من هذا كما قال ابن قيِّم الجوزيَّة :« أن المقصود هنا ذكر المعبود ، الموصوف بكونه أهلاً للعبادة ، مستحقًا لها ، فأتى بـ( مَا ) الدالة على هذا المعنى ؛ كأنه قيل : ولا أنتم عابدون معبودي ، الموصوف بأنه المعبود الحق . ولو أتى بلفظ ( مَنْ ) ، لكانت إنما تدل على الذات فقط ، ويكون ذكر الصلة تعريفًا ، لا إنه جهة العبادة ؛ ففرق بين أن يكون كونه تعالى أهلاً لأن يعبد تعريف محض ، أو وصف مقتض لعبادته .. فتأمله ، فإنه بديعٌ جدًّا » .

ويتضح لك ذلك إذا علمت أن المعبود لا يعبد لذاته ؛ وإنما يعبد لصفاته الدالة على ذاته ، أيًّا كان ذلك المعبود ؛ ولهذا أنكر الله تعالى على المشركين عبادة الآلهة من دونه سبحانه ، ووبخهم عليها ؛ لأنهم عبدوا ذواتًا لا صفات لها ، وسمُّوها بأسماء لا تستحقها ، وتركوا عبادة الله المتصف بصفات الكمال والجلال ، فقال عز وجل :﴿ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾(النحل:17) ؟ ﴿ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾(الأنبياء:67) ؟

ولهذا لما سأل فرعونُ موسى- عليه السلام- عن رب العالمين كالطالب لماهيَّته ، سأل بـ( مَا ) ، ولم يسأل بـ( مَنْ ) ، فقال :﴿ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾(الشعراء:23) ، فأجابه موسى عليه السلام ببيان الأوصاف المرشدة إلى معرفة الله جل وعلا ، والتي استحق لأجلها أن يكون ربًّا وإلهًا معبودًا ، فقال :﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾(الشعراء:24) .

فإذا تأملت ما تقدم ، تبين لك أنه لا يصح في النظم البديع والمعنى الرفيع أن يعبَّر بـ( مَنْ ) بدلاً من ( مَا ) ، أو العكس .. والله تعالى أعلم !

سادسًا- ومن تأمل صيغ النفي في السورة الكريمة ، وجد أن النفي لم يأت في حق الكافرين إلا بصيغة الفاعل :﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ ﴾ . وأما في جهة النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء بالفعل المضارع :﴿ لا أَعْبُدُ ﴾ تارة ، وبصيغة الفاعل :﴿ وَلا أَنَا عَابِدٌ ﴾ تارة أخرى ؛ وذلك- والله أعلم- لنكتة بديعة ، وهي أن المقصود الأعظم من ذلك براءته صلى الله عليه وسلم من معبوديهم بكل وجه ، وفي كل وقت ؛ ولهذا أتى في هذا النفي بصيغة الفعل الدالة على الحدوث والتجدد ، ثم أتى بصيغة اسم الفاعل الدالة على الوصف والثبوت ، فأفاد في النفي الأول أن تلك العبادة لا تقع منه أبدًا ، وأفاد في الثاني أن تلك العبادة ليست من وصفه ولا من شأنه ؛ فكأنه قال عليه الصلاة والسلام : عبادة غير الله تعالى لا تكون فعلاً لي ولا وصفًا من أوصافي ، فأتى بنفييْن لمنفيَّين مقصودين بالنفي . وأما في حق الكافرين فإنما أتى بصيغة الفاعل الدالة على الوصف والثبوت دون الفعل ، فأفاد ذلك أن الوصف الثابت اللازم العائد لله تعالى منتفٍ عن الكافرين ؛ لأن هذا الوصف ليس ثابتًا لهم ، وإنما هو ثابت لمن خصَّ الله تعالى وحده بالعبادة ، ولم يشرك معه فيها أحدًا .

وعقَّب ابن قيِّم الجوزيَّة على ذلك بقوله :« فتأمل هذه النكتة البديعة ، كيف تجد في طيَّها أنه لا يوصف بأنه عابدٌ لله تعالى ، وأنه عَبْدُهُ المستقيم على عبادته ، إلا من انقطع إليه بكلِّيته ، وتبتَّل إليه تبتيلاً ، لم يلتفت إلى غيره ولم يشرك به أحدًا في عبادته ، وأنه وإن عبده وأشرك به غيره ، فليس بعابدٍ لله تعالى ، ولا عَبْدًا له سبحانه . وهذا من أسرار هذه السورة العظيمة الجليلة التي هي إحدى سورتيْ الإخلاص والتي تعدل ربع القرآن ، كما جاء في بعض السنن . وهذا لا يفهمه كل أحد ، ولا يدركه إلا من منحه الله فهمًا من عنده .. فللَّه الحمد والمِنَّة » .

سابعًا- ومن أسرار هذه السورة التي لا يكاد يُفطَن إليها أن النفي فيها أتى بأداة النفي ( لا ) ، ولم يأت بالأداة ( ما ) ، مع أن نفي الحاضر الدائم والمستمر بـ( ما ) أولى من نفيه بـ( لا ) ، وأكثر استعمالاً . والسر في ذلك أن ( ما ) لا ينفى بها في الكلام إلا ما بعدها ، وأنها لا تكون إلا جوابًا عن الدعوى . أما ( ما ) فينفى بها في أكثر الكلام ما قبلها ، فيكون ما بعدها في حكم الوجوب ، وأنها تكون جوابًا عن السؤال ، وتكون ردًّا لكلام سابق . هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن ( لا ) إذا نفي بها المضارع ، فإنها تدل على نفيه نفيًا شاملاً مستغرقًا لكل جزء من أجزاء الزمن ، بدون قرينة تصحبها ؛ كما في قوله تعالى :﴿ عَالِمِ الغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ﴾(سبأ:3) . أما ( ما ) فلا تدل على نفي المضارع على سبيل الاستغراق إلا بوجود قرينة تصحبها ، وهي ( مِنْ ) الاستغراقية ؛ كما في قوله تعالى :﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ ﴾(يونس:61) .

وبهذا تكون هذه السورة العظيمة قد اشتملت على النفي المحض ، وهذا هو خاصيَّتها ؛ فإنها سورة براءةٍ من الشرك- كما جاء في وصفها عن النبي صلى الله عليه وسلم- فالمقصود الأعظم منها هو البراءة المطلوبة بين الموحدين ، والمشركين ؛ ولهذا جيء بالنفي في الجانبين تحقيقًا للبراءة المطلوبة ، مع أنها متضمنَّة للإثبات صريحًا ، فقول النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ براءة محضة ، وقوله :﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ إثبات أن له عليه الصلاة والسلام معبودًا يعبده ، وأنهم بريئون من عبادته ، فتضمَّنت بذلك النفي والإثبات ، وطابقت قول إمام الحنفاء سيدنا إبراهيم عليه السلام :﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾(الزخرف:26-27) ، وطابقت قول الفئة الموحّدة :﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا ﴾(الكهف:16) ، فانتظمت بذلك حقيقة التوحيد بقول :« لا إله إلا الله » .

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرن هذه السورة العظيمة بسورة ( قل هو الله أحد ) ، في سنة الفجر ، وسنة المغرب ؛ فإن هاتين السورتين ( سورتي الإخلاص ) قد اشتملتا- كما قال ابن قيِّم الجوزية- على نوعَيْ التوحيد الذين لا نجاة للعبد ولا فلاح له إلا بهما : أولهما : توحيد العلم والاعتقاد ، وثانيهما : توحيد القصد والإرادة .

1- فأما توحيد العلم والاعتقاد فهو المتضمِّن تنزيه الله تعالى عمَّا لا يليق به ، من الشرك والكفر، والولد والوالد ، وأنه إله أحد صمد ، لم يلد فيكون له فرع ، ولم يولد فيكون له أصل ، ولم يكن له كفوًا أحد فيكون له مِثْل . ومع هذا فقد اجتمعت له جل جلاله صفات الكمال كلها ، فتضمنَّت السورة إثبات ما يليق بجلال الله عز وجل من صفات الكمال ، ونفي ما لا يليق بجلاله سبحانه من الشريك أصلاً وفرعًا ، وشبهًا ومثلاً .. فهذا هو توحيد العلم والاعتقاد .

2- وأما توحيد القصد والإرادة فهو أن لا يُعبدَ إلا الله جل وعلا ، فلا يُشرَك به في عبادته سواه ؛ بل يكون وحده سبحانه هو المعبود ، وسورة ( الكافرون ) مشتملة على هذا النوع من نوعيْ التوحيد ، فتضمنت بذلك السورتان نوعيْ التوحيد ، وأخلصتا له .

ثامنًا- ومن أسرار هذه السورة العظيمة ما تضمنه قوله تعالى في ختامها من التأكيد :﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ . والسؤال هنا : هل أفاد هذا معنى زائدًا على ما تقدَّم ؟ والجواب : أن النفي في الآيات السابقة أفاد براءته صلى الله عليه وسلم من معبوديهم ، وأنه لا يتصور منه ، ولا ينبغي له أن يعبدهم ، وهم أيضًا لا يكونون عابدين لمعبوده ، كما أفاد إثبات ما تضمنه النفي من جهتهم من الشرك والكفر الذي هو حظهم ونصيبهم ، فجرى ذلك مجرى من اقتسم هو وغيره أرضًا ، فقال له : لا تدخل في حدِّي ، ولا أدخل في حدِّك ، لك أرضك ، ولي أرضي ، فتضمَّنت الآية أن هذه البراءة اقتضت أن المؤمنين والكافرين اقتسموا حظهم فيما بينهم ، فأصاب المؤمنين التوحيدُ والإيمان ، فهو نصيبهم الذي اختصوا به ، لا يشركهم الكافرون فيه ، وأصاب الكافرين الشركُ بالله تعالى والكفر به ، فهو نصيبهم الذي اختصوا به ، لا يشركهم المؤمنون فيه .

ثم إن في تقديم حظ الكافرين ونصيبهم في هذه الآية على حظ المؤمنين ونصيبهم ، وتقديم ما يختص به المؤمنون على ما يختص به الكافرون في أول السورة ، من أسرار البيان وبديع الخطاب ما لا يدركه إلا فرسان البلاغة وأربابها ، وبيان ذلك :

أن السورة لما اقتضت البراءة ، واقتسام دينَيْ التوحيد والشرك بين النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين الكافرين ، ورضي كلٌّ بقسمه ، وكان المحق هو صاحب القسمة ، وعلم أنهم راضون بقسمهم الدون ، وأنه استولى على القسم الأشرف والحظ الأعظم ، أراد أن يشعرهم بسوء اختيارهم ، فقدم قسمهم على قسمه ، تهكمًا بهم ونداءً على سوء اختيارهم ، فكان ذلك- كما قال ابن قيِّم الجوزيَّة- بمنزلة من اقتسم هو ، وغيره سُمًَّا وشفاءً ، فرضي مقاسمه بالسمِّ ؛ فإنه يقول له : لا تشاركني في قسمي ، ولا أشاركك في قسمك . لك قسمك ، ولي قسمي ! ولهذا كان تقديم قوله :﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ ﴾ على قوله :﴿ وَلِيَ دِينِ ﴾ هنا أبلغ وأحسن ؛ وكأنه يقول : هذا هو قسمكم الذي آثرتموه بالتقديم ، وزعمتم أنه أشرف القسمين ، وأحقهما بالتقديم !!

وذكر ابن قيِّم الجوزيَّة وجهًا آخر ؛ وهو : أن مقصود السورة براءة النبي صلى الله عليه وسلم من دينهم ومعبودهم- هذا هو لبُّها ومغزاها- وجاء ذكر براءتهم من دينه ومعبوده بالقصد الثاني مكمِّلاً لبراءته ومحققًا لها . فلما كان المقصود براءته من دينهم ، بدأ به في أول السورة ، ثم جاء قوله تعالى :﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ ﴾ مطابقًا لهذا المعنى . أي : لا أشارككم في دينكم ، ولا أوافقكم عليه ؛ بل هو دين تختصون به أنتم ، فطابق آخر السورة أولها .

فتأمل هذه الأسرار البديعة المعجزة ، واللطائف الدقيقة المبهرة التي تشهد أن القرآن الكريم تنزيل من حكيم حميد ، وأنه الأعلى في البلاغة والفصاحة والبيان ! نسأله سبحانه أن يجعلنا من الذين يفقهون كلامه ، ويدركون أسرار بيانه ، والحمد لله على نعمة الفهم والعقل والدين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tarikaleman.alafdal.net
 
- من أسرار الإعجاز البياني في سورة ( الكافرون ) .
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الإعجاز العددي في آية حفظ القرآن
» - الإعجاز النبوي في الإخبار عن الأمم السابقة .
»  - أسرار الماء في القرآن !!!
»  - أسرار الشفاء بالدعاء النبوي ???!!
»  - أسرار الشفاء بالعسل: ملف شامل .

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
((طريق الهدى)) :: الفئة الأولى :: الشريعة الإسلامية :: واحة الإيمان والإعجاز فى القرآن والسنة النبوية المطهرة-
انتقل الى: