الإعجاز العلمي
بطون الأنعام وبطون النحل
هناك بعض الآيات في القرآن الكريم تثير التأمل العميق من هذه الآيات قوله تعالى: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِّلشَّارِبِينَ) النحل 66 ،،، لماذا قال تعالى بطونه بصيغة المذكر وليس بصيغة المؤنث ، رغم أن اللبن يخرج من الإناث ، وليس الذكور ، كما إن الشائع هو تأنيث جمع المذكر. والمثير للدهشة أن نفس الكلمة وردت في سورة المؤمنون بصيغة المؤنث (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) المؤمنون 21،،،. وإذا رجعنا إلى سورة النحل نجد الآيات رقم 68 ، 69 من السورة تذكر خروج العسل من النحل بصيغة المؤنث (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) النحل 69 ،،، هذا رغم أن الشائع هو تذكير كلمة النحل. وحيث أني متخصص في الإنتاج الحيواني وأعد أحد هواة النحل وأربي النحل منذ 14 عام فقد شغلت بالي هذه الصيغ غير المألوفة.
التفسير اللغوي
وقد حاول المفسرون تعليل هذه الصيغ فقال القرطبي في تفسيره عن آية الأنعام "اختلف الناس في الضمير من قوله : مما في بطونه على ماذا يعود فقيل : هو عائد إلى ما قبله وهو جمع المؤنث ، وقال سيبويه : العرب تخبر عن الأنعام بخبر الواحد . قال ابن العربي : وما أراه عوّل عليه إلا من هذه الآية وهذا لا يشبه منصبه ولا يليق بإدراكه . وقيل : لما كان لفظ الجمع وهو اسم الجنس يذكر ويؤنث فيقال هو الأنعام وهي الأنعام جاز عود الضمير بالتذكير ؛ وقاله الزجاج . " انتهى كلام القرطبي. وفي تفسير ابن كثير يقول : " أفرده ههنا عودا على معنى النعم أو الضمير عائد على الحيوان فإن الأنعام حيوانات أي نسقيكم مما في بطن هذا الحيوان ، وفي الآية الأخرى مما في بطونها ويجوز هذا وهذا " انتهى كلام ابن كثير. ؛ ولم يعلق ابن كثير على تأنيث كلمة النحل أما القرطبي فعلق قائلا : " والنحل يؤنث في لغة أهل الحجاز"
ولكنى شعرت أن الأمر أعمق من مجرد جواز لغوي ، أنظرإلى ختام الآية الكريمة (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) النحل 69 ،،، لابد إذن أن في الأمر سرا من أسرار الإعجاز العلمي. وبفضل الله توصلت إلى تعليل لعله أقرب شئ إلى الصحة.
خروج اللبن عملية بيولوجية
فمن المعروف أن الأبقار مثلا أو أي من الأنعام هي حيوانات ثديية تتكاثر بالتزاوج بين الذكر والأنثى وتنعدم فيها تماما ظاهرة التكاثر البكري (التكاثر دون الحاجة إلى ذكر) التي تعد غير نادرة في الكائنات الأقل رقيا. إذن لابد من وجود الذكر حتي تحمل الإناث وتضع ولن يحدث إدرار للبن دون حمل وولادة أي لن يحدث دون ذكر والآية هنا تؤكد هذا المعني وتشير إلى أهمية الذكر في إدرار اللبن لأن دور الأنثى لا يحتاج إلى بيان. فإن وضعنا ألوف الأبقار على إحدى الجزر دون ذكر فلن نحصل منها على قطرة لبن. والمصطلحات الفقهية تؤكد هذا المعنى ففي قضايا الرضاع نقرأ كلمة (لبن الرجل) والمقصود لبن زوجته، بل نقول أحيانا أن فلان قد ولد فلانا وفي القرآن الكريم (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) البلد 3،،،. ثم أنظر الإعجاز الذي تخضع له الرقاب لقد ذكرت كلمة بطونها مرة وبطونه مرة فيما يخص الأنعام فخروج اللبن لا يستغني بأحد الجنسين عن الأخر. والخلاصة أن إنتاج اللبن عملية بيولوجية لا تستغني عن وجود الذكر بحال من الأحوال وليس الأمر كذلك فيما يخص إنتاج العسل في عالم النحل.
مملكة النحل
فبادئ ذي بدء يعد النحل مجتمع أنثوي بدرجة كبيرة فتتكون طائفة النحل من الملكة (أو أم النحل) وهي الأنثى الوحيدة الخصبة في طائفة النحل ، والشغالات تعد إناثا عقيمة ضامرة الجهاز التناسلي وهي تقوم بكل الأعمال اللازمة فهي ترعى الملكة وتلعقها وتنظفها وتحميها وتغذيها بالغذاء الملكي من غدد تفرزها من رؤوسها كما تعمل على حراسة الطائفة وقتال أعداء النحل وتعمل على جمع الماء والرحيق وحبوب اللقاح وتقوم ببناء الأقراص الشمعية التي تربي فيها الحضنة وتخزن فيها العسل وحبوب اللقاح كما ترعى الحضنة وتغذيها وتلطف جو الخلية يالتهوية بالأجنحة ... ألخ ، أما الذكور فلا مهمة لها على الإطلاق سوى تلقيح العذراء لتصبح ملكة شابة ولا تتزاوج الملكة بعد ذلك مطلقا وتظل طوال حياتها (حوالي 4 سنوات) تضع بيضا مخصبا حيث تخزن الحيونات المنوية في حويصلة خاصة وتخرج حيوان منوي واحد لكل بيضة تضعها ، وقد تضع ألف بيضة في اليوم الواحد. ولا توجد في الخلية سوى ملكة واحدة وعند فقد هذه الملكة تقوم الشغالات بتغذية بعض اليرقات الصغيرة بالغذاء الملكي فتتحول إلى عذراء خصبة بدلا من شغالة عقيمة. بعد خروج العذراء من الشرنقة تتغذى لبضعة أيام على العسل وتعاملها الشغالات بقسوة لتدفعها إلى الخروج للتزاوج ، تقف العذراء على مدخل الخلية وتصدر أزيزا لا يكاد يسمعه النحال على بعد خطوات بينما تسمعه الذكور على بعد عدة كيلومترات وتأتي سريعا وعندما يجتمع عدد كاف تطير العذراء في رحلة تسمى الزفاف الملكي وتندفع الذكور ورائها ويتم التلقيح في الجو وتعود العذراء إلى الخلية وقد أصبحت ملكة وتتلقاها الشغالات بالترحاب والعناية الفائقة ، أما الذكور فمصيرها هو القتل عند باب الخلية فقد انتهت مهمتها وليس لها أي عمل مفيد ولا تملك حتى أداة لسع لتدافع عن الخلية أو عن نفسها. وقد استطردت في وصف حياة النحل لأن كثير من الناس لا يعرف هذه التفاصيل. إن دور الذكر يعد إذن ثانويا في عالم النحل ليس لما ذكرناه فحسب بل هناك المزيد.
الفرق بين ذكر النحل والشغالات
الفرق بين الذكر والشغالة العقيمة هو أن الذكر ينتج من بيضة غير مخصبة بينما تنتج الشغالات والعذارى من بيض مخصب. فعندما ترغب الشغالات في تغيير الملكة (لكبر عمرها وقلة وضع البيض) أو عند الرغبة في الهجرة من المنطقة (التطريد) تقوم ببناء عيون سداسية شمعية واسعة وعندما تدخل الملكة مؤخرتها في هذه العيون الواسعة لتضع بها البيضة لا تضطر إلى ضغط بطنها فلا يخرج حيوان منوى من حويصلة التخزين لتلقيح تلك البيضة. والبيض غير المخصب ينتج ذكورا. ومن البدهي أن تركيب كروموسوم الجنس سيكون XX أو بالأحرى SS والسبب في ذلك كما يعرف دارسو علم الأحياء أن الحشرات وكذلك الطيور (على عكس الثدييات) يكون الفرد ذو التركيبSS ذكر وليس أنثى بينما الفرد(S-) يكون أنثى لذلك فإن البيض غير المخصب في النحل ينتج ذكورا (SS). هذه الذكور الناتجة بكريا يمكنها أن تلقح العذارى لتستمر الحياة.
خروج العسل عملية ميكانيكية
فضلا عن ذلك تعد عملية جمع الرحيق وخروج العسل من النحل عملية غير بيولوجية بل هي عملية ميكانيكية تقوم بها إناث عقيمة ناتجة من أنثى خصبة لا تحتاج إلى ذكر يلقحها بل تستطيع هي انتاج الذكور اللازمة بكريا. ولو وضعنا طائفة من النحل ليس فيها ذكور ولا ملكة على جزيرة منعزلة تخلو من أي نحل فإن الشغالات ستواصل جمع الرحيق وإنتاج العسل وستتولد الذكور بكريا وتستمر الحياة ، فما أحرى أن تؤنث كلمة بطونها في تلك الآية الكريمة (ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) النحل 69 ،،، ومن الجدير بالذكر أن الشغالات تمتص الرحيق من الزهور وتضعه في حوصلة خاصة في صدرها هذه الحوصلة غير متصلة بالجهاز الهضمي وتفرز عليه بعض الخمائر ثم تضعه عن طريق الفم في العيون السداسية فليس العسل هو براز النحل كما يظن بعض الناس ولا يخرج من شرج النحل بل من فمه وقد أدرك الناس هذه الحقيقة البسيطة منذ القدم فيقول الإمام الشافعي عن العسل الذي هو خير شراب الدنيا (بزقة ذبابة) تقليلا من شأن الدنيا ، والغريب أن كثير من الناس لا تدرك هذه الحقيقة القديمة. وتقسيم جوف النحلة إلى صدر وبطن هو أمر مستحدث وكلمة بطن تطلق في العربية على تجويف أو قاع أي شئ فنقول بطن الضريح أو بطن البئر. فهذا كتاب ربنا معجزة الإسلام لا يخلق من كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه. اللهم انفعنا به واستخدمنا في خدمته.
[center]