Admin Admin
المساهمات : 101 تاريخ التسجيل : 18/05/2012
| موضوع: -(( مثل امرأة نوح وامرأة لوط )) الثلاثاء 29 مايو 2012 - 20:02 | |
| مثل امرأة نوح وامرأة لوط
قال الله عز وجل :﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾(التحريم:10) .
أولاً- هذا مثل ضربه الله عز وجل للذين كفروا ، تضمن– كما قال ابن قيم الجوزية- أن الكافر يعاقب على كفره وعداوته لله تعالى ورسوله وأوليائه ، ولا ينفعه مع كفره ما كان بينه وبين المؤمنين من لحمة نسب ، أو وصلة صهر ، أو سبب من أسباب الاتصال ، فإن الأسباب كلها تنقطع يوم القيامة ؛ إلا ما كان منها متصلاً بالله وحده على أيدي رسله عليهم الصلاة والسلام ، فلو نفعت وصلة القرابة والمصاهرة والنكاح مع عدم الإيمان ، لنفعت الصلة التي كانت بين نوح ولوط عليهما السلام وامرأتيهما ، وفي ذلك تنبيه على أن العذاب يُدفَع بالطاعة دون الوسيلة .
وقيل : إن كفار مكة استهزءوا وقالوا : إنَّ محمداً يشفع لنا ، فبين تعالى أن الشفاعة لا تنفع كفار مكة ، وإن كانوا أقرباء ، كما لا ينفع شفاعة نوح امرأته ، وشفاعة لوط امرأته ، مع قربهما لهما ، لكفرهما .
فنوح ولوط- عليهما السلام- لم يدفعا مع كرامتهما على الله تعالى عن امرأتيهما لما عصتا شيئًا من عذاب الله ، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدفع عن أزواجه شيئًا من عذاب الله ، إن عصين الله ورسوله . كيف ، وعليه الصلاة والسلام ، يقول لابنته :« يا فاطمة لا أغني عنك من الله شيئًا » ؟ وإن كان الأمر كذلك ، فمن الأولى ألا يدفع عليه الصلاة والسلام عن قومه الكفار شيئًا من عذاب الله ، وإن كانت تربطه بهم وصلة القرابة .
ثانيًا- وقوله تعالى :﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا ﴾ جمعه وقدَّره ، وضرب المثل من ضرب الدرهم ، وهو جمع فضة وتقديرها . والمَثَلُ هو الشيءُ يُضرَبُ للشيء مَثَلاً ، فيُجْعَل مِثْلَه ، أحدهما أصل ، والثاني فرع يقاس على الأصل للاعتبار به ، ويطلق لفظ ( مَثَل ) على كل واحد منهما ، ويطلق على مجموعهما . والمثل المضروب هنا هو : امرأة نوح وامرأة لوط مع زوجيهما ، والمضروب لهم المثل هم : الذين كفروا ، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . والأول أصل ، والثاني فرع قيس على الأصل .
وقوله تعالى :﴿ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ﴾ بيان لحالهما الداعية لهما إلى الخير والصلاح ، وتصويرٌ لحالهِما المحاكيةِ لحالِ أولئك الكفرة في خيانتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالكفر والعصيان ، مع تمكنهم التام من الإيمان والطاعة .
وجاءت الكناية عن اسمي نوح ولوط- عليهما السلام- بقوله تعالى :﴿ تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ ، لما في ذلك من التشريف لهما بالإضافة إليه سبحانه ، ولم يأت التركيب بالضمير عنهما ، فيكون ( تحتهما ) ، لما قصد من ذكر وصفهما بقوله سبحانه :﴿ صَالِحَيْنِ ﴾ ؛ لأن الصلاح هو الوصف الذي يمتاز به من اصطفاه الله تعالى ؛ كقوله تعالى في حق إبراهيم- عليه السلام- :﴿ َلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾(البقرة:130) ، وكان إبراهيم قد دعا ربه بقوله :﴿ رَبِّ هَبْ لِيْ حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾(الشعراء:83) ؛ وذلك إيماء إلى أن الصلاح هو أصل الخير كله ، ورفع الدرجات عند الله عز وجل . والصالحون هم المفضلون من الأنبياء ؛ ولهذا دعا سليمان - عليه السلام - ربه بقوله :﴿ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾(النمل :19) ، وكذلك دعا يوسف - عليه السلام - ربه بقوله :﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾(يوسف:101) .
قال الزمخشري :« فإن قلت : ما فائدة قوله :﴿ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ ؟ قلت : لما كان مبنى التمثيل على وجود الصلاح في الإنسان كائنًا من كان وأنه وحده هو الذي يبلغ به الفوز وينال ما عند الله ، قال :﴿ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ ، فذكر النبيين المشهورين العلمين بأنهما عبدان ، لا يكونان إلا كسائر عبادنا من غير تفاوت بينهما ، وبينهم إلا بالصلاح وحده إظهارًا وإبانة ؛ لأن عبدًا من العباد لا يرجح عنده إلا بالصلاح لا غير ، وأن ما سواه مما يرجح به الناس عند الناس ليس بسبب للرجحان عنده » .
والمراد من التحتية في قوله تعالى : :﴿ تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ أنهما كانتا في عصمتهما وصيانتهما . ويقال : فلانةُ كانت تحت فلان ، أي كانت زوجًا له في عصمته وصيانته ، ومنه قول أنس بن مالك في الحديث المروي في ( الموطأ ) ، وفي ( صحيح البخاري ) ، عن أم حرام بنت ملحان : « وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت » . أي : في عصمته .
ومن بدائع الأجوبة أن أحد الأمراء من الشيعة سأل أحد علماء السنة : من أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابه : « الذي كانت ابنتُه تحتَه » ، فظن أنه فضل عليًّا ؛ إذْ فهم أن المراد من الموصول ( الذي ) رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن ( ابنَة ) فاطمة رضي الله عنها ، مع أن السني أراد أن من ( الذي ) أبا بكر- رضي الله عنه- ومن ( ابنة ) عائشة رضي الله عنها ؛ إذ كانت تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقوله تعالى :﴿ فَخَانَتَاهُمَا ﴾ بيان لما صدَر عنهما من الخيانة العظيمة ، مع تحقُّق ما ينافيها من مرافقة النبي عليه الصلاة والسلام . والمأثور في تفسير خيانتهما : أنها كانت خيانة في الدعوة ، وليست خيانة الفاحشة كما صرح بذلك بعضهم . أما خيانة امرأة نوح فكانت تسخر منه مع الساخرين من قومه ، وكانت تقول لهم : إنه مجنون . وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل القوم على ضيوفه ، وهي تعلم شأنهم مع ضيوفه . وقيل : كانت إذا نزل به ضيف ، دخَّنَت ؛ لتعلم قومها أنه قد نزل به ضيف ، لما كانوا عليه من إتيان الرجال .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال :« خيانتهما أنهما كانتا كافرتين مخالفتين » . وقيل :« كانتا منافقتين تظهران الإيمان وتستران الكفر » . والخيانة والنفاق- كما قال الراغب الأصفهاني- واحد ، إلا أن الخيانة تقال اعتبارًا بالعهد والأمانة ، والنفاق يقال اعتبارًا بالدين ، ثم يتداخلان . فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر. ونقيض الخيانة : الأمانة ، وحمل ما في الآية على هذا ؛ ونحو ذلك قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾(الأنفال: 27) .
وقال الزمخشري :« كانت خيانتهما نفاقهما وإبطانهما الكفر ، وتظاهرهما على الرسولين » . ثم قال :« ولا يجوز أن يراد بالخيانة الفجور؛ لأنه سمج في الطبع ، نقيصة عند كل أحد ، بخلاف الكفر ؛ فإن الكفار لا يستسمجونه ، بل يستحسنونه ، ويسمونه حقًا » . وعن ابن عباس أنه قال :« ما بَغَت امرأة نبي قط ؛ وإنما كانت خيانتهما أنهما كانا على غير دينهما » . قال القشيريُّ :« وهذا إجماع من المفسرين ؛ إنما كانت خيانتهما في الدين ، وكانتا مشركتين ، وقيل : كانتا منافقتين » .
وقوله تعالى :﴿ فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾ بيان لما أدى إليه خيانتهما . أي : فلم يدفع نوح ولوط- عليهما السلام مع كرامتهما على الله تعالى- عن امرأتيهما ، لما عصتا شيئًا من عذاب الله تعالى ، تنبيها بذلك على أن العذاب يدفع بالطاعة ، لا بالوسيلة . وانتصب ( شيئاً ) على المفعولية المطلقة لـ( يغنيا ) ؛ لأن المعنى : شيئًا من الإغناء ، والإغناء : جعل الغير غنيًا . أي غير محتاج . وتنكير ( شيئًا ) للتحقير . أي : أقل غنى وأجحفه ؛ ونحو ذلك قوله تعالى : ﴿ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾(الجاثية:19) . أي : شيئًا من الأشياء أو شيئًا من الإغناء ، إن اتبعت أهواءهم .
وقوله تعالى :﴿ وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ . أي : ادخلا النار مع سائر الداخلين من الكفرة الذين لا وصلة بينهم ، وبين الأنبياء عليهم السلام ، ومثل ذلك يقال لكفار مكة وغيرهم من الكفرة الطغاة . وبهذا قطعت الآية الكريمة طمع كل من ارتكب معصية في حق الله تعالى وخالف أمره ، ورجا أن ينفعه صلاح غيره من قريب أو بعيد ، ولو كان بينهما في الدنيا أشد الاتصال .
وأفاد قوله :﴿ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ مساواتهما في العذاب لغيرهما من الكفرة الخونة ؛ وذلك تأييس لهما من أن ينتفعا بشيء من حظوة زوجيهما ؛ كقوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾(الأنعام:22) .
| |
|